الحياة المسيحية

الحياة المسيحية

حياة التأمل

تعريف :
 + فى اللغة العربية ، التأمل : التعمق والتحليل.
فى اللغة اليونانية ، التأمل:Taoria  هو التعمق فى الفهم والتمرين الفكري والقلبي .
 + فى اللغة الانجليزية ،التأمل : Meditation
 مفهوم التأمل :
 +تأمل عقلي : هو التعمق فى النظر الى الأمور والأشياء.. الخ " وتأمل في كل أمر.." (سيراخ31: 18) فأن التأمل فى كل ما حولنا يبعث الى الراحة ، ويوضح عظمة الخالق وضعف المخلوق ، يعوّدك العمق في أمور كثيرة. ويبعدك عن السطحية ، وهو تمرين مفيد للجسم والعقل ، ويعطى شعور بالهدوء والاسترخاء ..الخ "طوبى للرجل الذي يتأمل في الحكمة ويتحدث بها في عقله." (سيراخ14: 22)
 +تأمل روحي : هو تفاعل بين روح الإنسان وروح الله الساكن فيه حيث يفتح الروح القدس أفاقا وموضوعات روحية للتأمل فيها ، ويعطى مجالاً للشكر والتسبيح لله ، وفيه يمتزج التأمل الروحي بالصلاة من خلال الخلوة الروحية              " احمد الرب بكل قلبي احدث (أتأمل) بجميع عجائبك."(مز9: 1) والتأمل الروحي ينقي ذهنك. فلا يسرح عقلك في أمور باطلة.
 + تأمل نظري : هو التأمل فى كلام الله وربط الآيات ببعضها واستخلاص الحقائق والمعاني والأهداف ..الخ  وهو يساعد الإنسان على الهدوء والتركيز، ويعطى قوة روحية ونشاط ذهني.. الخ  "تروا في أوامر الرب وفي وصاياه تأمل كل حين فهو يثبت قلبك وينيلك ما تتمناه من الحكمة."(سيراخ  6 : 37)
+ تأمل عملي : هو التطبيق العملي للوصية الإلهية وكلام الله فى الحياة ، وهو يعطى خبرة روحية عملية وتذوق العشرة مع الله .. " ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب.."(مز34 : 8) وتصبغ أقوال الإنسان وفكره بقوة الهية وبكلمات قليلة (كلمة منفعة) يستطيع الإنسان أن يوصل الحقيقة للسامع ، كما يفعل الآباء الذين كانوا يعيشون الإنجيل بكل قلوبهم وفكرهم وقدرتهم .
حياة التأمل تحتاج الى فترة هدوء وسكينة ، فأن اعمال الله العظيمة يعملها فى النفوس الهادئة.  
 السيد المسيح مثلنا الأعلى في التأمل :
+ كان يقضى اوقاتاً فى الصلاة والتأمل : فقد كان يعتزل فى البراري والأماكن الهادئة مصلياً ومتأملاً " أما هو فكان يعتزل في البراري  ويصلي." (لو16:5) لذلك نلمس أهمية الخلوة فى الصلاة والتأمل من حياة السيد المسيح ، الذي ترك لنا مثالاً لنتبع خطواته .
+ السيد المسيح يعلمنا التأمل : فى عظاته وتعاليمه يحثنا على التأمل فى الطبيعة  "تأملوا الزنابق (الزهور) كيف تنمو لا تتعب ولا تغزل ولكن أقول لكم انه ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها." (لو12 : 27) ويعلمنا حياة الاتكال على الله وعدم الانشغال الزائد بالماديات "تأملوا الغربان أنها لا تزرع ولا تحصد و ليس لها مخدع ولا مخزن والله يقيتها كم انتم بالحري أفضل من الطيور.." (لو 12 : 24)
+ حياة السيد المسيح مجالاً للتأمل : التأمل فى حياته على الأرض : بمشاركته لنا بميلاده ، صومه عنا، انتصاره فى التجربة لنا ، محبته للخطاة ، معجزاته ، تعاليمه ، تقديم جسده لنا لنحيا به. " تواضع ليرفعنا ، جاع ليشبعنا ، وعطش ليروينا ، وصعد على الصليب عريانا ليكسونا بثوب بره ..، وأخيراً مات ودفن   وقام ليقيمنا من موت الخطية ويحيينا حياة بدية .." (من صلاة القسمة) قال القديس اغسطينوس          "لا يوجد شيء نافع مثل التأمل كل يوم فيما احتمله ابن الله لأجلنا".
 الآباء القديسين والتأمل :
يسمى الآباء التأمل الروحي بالتاوريا وهى :
+ التاوريا الأولى : وهى التأمل فى المخلوقات والطبيعة ويطلقون عليها الهذيذ بالمخلوقات .
+ التاوريا الثانية : وهى التأمل فى السماويات وما فيها والأرواح والملائكة والله فوق الكل .
+ التاوريا الثالثة : وهى التأمل فى الثالوث القدوس وعظمته وجلاله ويطلق عليه الدهش.            
+ موهبة روحية: أحياناً يكون التأمل موهبة روحية ، يستقبل بها الإنسان معرفة فوق المعرفة العادية. قال القديس اغسطينوس "عند الوقوع فى درجة الدهش الروحى الكامل ، يفقد الانسان مشاعر الجسد  ويحمل الى الله ، ثم يعود لحالته.."
 سمات التأمل المسيحي :
1- التأمل  الروحي : هو رفع الفكر الى الله وتسليم القلب له وباقى الأعمال الروحية ، وفيه يعرف الإنسان نفسه على حقيقتها ويصلح من عيوبها بمعونة الروح القدس "بالرجوع (لله) والسكون تخلصون ، بالهدوء والطمأنينة تكون قوتكم"(أٍش30: 15) إن الإنسان الروحي يستطيع أن يتخذ كل شيء مجالاً للتأمل. ومن نتائج التأمل الروحي يؤهل الإنسان لاستقبال الحق الالهى والتأمل فيه الذى برهانه فى النفس الحصول على التمييز والتصرف الحسن والحكم على الأمور روحيا ، وهذا ما يسميه الآباء بالإفراز . قال القديس مار اسحق " إن التدبير الروحي الكامل حيث يتأمل العقل فى حب الخالق وعنايته وإرادته الصالحة ويبطل من الإنسان حينئذ كل الشكوك والخوف ،  ونحس بالعقل إننا بنو الأب السماوي وورثه مع المسيح."            .
2- التأمل  مع الصلاة  : هناك ارتباط بينهما فالصلاة هى حديث الإنسان واتحاده مع الله ،  لذلك فالتأمل يعطى مجالاً واسعاً للصلاة والشكر والتسبيح لله
.. " مصلين بكل صلاة  وطلبة كل وقت في الروح. " (اف6:  18) إن التأمل في السماويات ، يرفع عقل الإنسان وقلبه، ويسمو عن الأرضيات ، قال القديس مار اسحق "الصلاة يسبقها خلوة ، والتأمل  يمكن التمرن عليها بالصلاة ، ومن الاثنين نكتسب حب الله ، لأن في كليهما أسباباً تدعو لحبه  والحب ثمرة الصلاة."
3- تأمل مع العمل : يشمل العمل الروحى : الخدمة والتعليم والعمل الصالح والعطاء ..الخ وأهمية ذلك كقول المسيح "من عمل وعلم فهذا يدعى عظيما في ملكوت السماوات."(مت6: 19)  فإن نشاط الانسان في الخدمة ، لا يدعه يستغنى عن الهدوء للتأمل ، ولا التأمل يمنع الانسان عن الخدمة. كما أيضا التأمل العملي هو تطبيق عملى للوصايا الالهية ، وهو يعطى خبرة روحية فى الخدمة ومصداقية فى التعليم للخادم ... قال القديس غريغوريوس الكبير" نحن نصعد الى مرتفعات التأمل على درجات حياة العمل والخدمة." وقال القديس اغسطينوس" إن عظمة التأمل لا تمنح إلا للذين لهم حب (لله وللناس)." 
 مجالات التأمل الروحي :
1- تأمل فى المخلوقات : هو التأمل بعجائب الله ومخلوقاته فى الطبيعة والانسان ..الخ "وقف وتأمل بعجائب الله.."(أى37: 14) وقال السيد المسيح "تأملوا الزنابق (الزهور) كيف تنمو.. " (لو12: 27) وقال سليمان الحكيم  "اذهب الى النملة ايها الكسلان تأمل طرقها كن حكيما"(أم6: 6) وأكثر من تأمل فى الطبيعة والمخلوقات هو داود النبي فى مزاميره فهي حديثاً شجياً بين داود والله ولم يترك شيئاً من الخليقة وإلا ذكره مستحسنا صنعه " بكل أعمالك بصنائع يديك أتأمل.." (مز143: 5) وهتف بها كلها لتسبح لله  " كل نسمة فلتسبح الرب هللويا" (مز150: 6) قال القديس غريغوريوس "على الإنسان الكامل أن يتتلمذ أولاً على اعتياد الفضائل وممارستها ، وبعد ذلك يدخل الى راحة التأمل ."
2- تأمل فى السماويات: إن التأمل فى السماويات وأمجادها وملائكتها والعرش الإلهي... يجعلنا نشتاق للذهاب إلى السماء ، فهي وطننا الأبدي "فان سيرتنا نحن هي في السماوات التي منها أيضا ننتظر مخلصا هو الرب يسوع المسيح" (فى3: 20) قال القديس غريغوريوس "حينما أتأمل عظمة السعادة التى يربحها الإنسان بالموت وتفاهة ما يخسر بفقدان الحياة ، لا استطيع احتمال شوقي الى السماء ، فأهتف نحو الله قائلا: متى يا الهي تنتشلني من هذه الحياة وتسكنني وطني العزيز" قال القديس اغسطينوس "تأملت فى الحياة فإن كل ما فيها يفنى ويزول فاشتقت إليك يا إلهى لأحيا إلى الأبد ولن أزول."    
3-  تأمل فى كلام الله : بالتأمل النظري اى  بتعمق وفهم ما يختص بمشيئة الله وأسراره  الخفية فى كلمته ووصاياه بإرشاد الروح القدس " بوصاياك الهج (أحفظ واردد) وألاحظ (أتأمل) سبلك.."(مز119: 15) هذه استنارة  قال القديس مار اسحق "الهذيذ فى الكتب المقدسة ينير العقل ويعلم النفس الحديث مع الله." وبالتأمل العملي اى بالسلوك والعمل بحسب الإنجيل والوصية . فقد قال القديس ابيفانيوس "إن التأمل فى الكتب المقدسة حرز (كنز) عظيم ، يحفظ الإنسان من الخطية ، ويستميله الى عمل البر."
 ثمار حياة التأمل  : 
1- ضبط الفكر : التأمل الروحى يجعل الفكر دائماً فى الله ويبتعد عن الأفكار الشريرة.. "مستأسرين كل فكر الى طاعة المسيح" (2كو10: 5)  والتأمل الروحي ينقي ذهنك ، فلا يسرح عقلك في أمور باطلة ..، فقد قال القديس غريغوريوس الكبير " على العقل أولاً أن يتنقى من الكبرياء ، ومن التلهي بمسرات الجسد والشهوات المختلفة ، وبعد ذلك يستطيع أن يرتفع فى درجات التأمل." !
2- الحب واتساع القلب: كلما سلك الإنسان فى التأمل ازداد حباً لله والناس  " لان محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا.." (رو5: 5) التأمل فى الصليب هو أقوى مصدر لإدراك حب الله لنا .. صلاته ، وحبه لصالبيه ، جذبه اللـص للفردوس ، احتماله العار لأجلنا.. قال القديس غريغوريوس الكبير  " عندما يتذوق العقل حلاوة التأمل يشتعل بالحب. " !
3-  وداعة واتضاع : التأمل يكشف للإنسان ضعفه  فيسلك.  " بكل تواضع و وداعة و بطول أناة محتملين بعضكم بعضا في المحبة"(أف4: 2) قال القديس يوحنا كاسيان " بقدر ما يتقدم عقل الإنسان ويمتد نحو الصفاء والنقاوة فى التأمل كلما يظهر له دنسه وعدم نقاوته ، عندما يرى ذاته فى مرآة الطهارة الحقة. و قال القديس غريغوريوس" كلما تقدم القديسون فى فضيلة التأمل احتقروا ذواتهم وعرفوا أنهم لا شيء. " !  
4-  حكمة ومعرفة روحانية : إن الله يعطى حكمة من فوق   " وأما الحكمة التي من فوق فهي أولا طاهرة ثم مسالمة ..مملؤة رحمة وأثمارا صالحة.." (يع3: 17) ان التأمل يقدم لك غذاء روحياً نافعاً لبنيانك الداخلي ،  ويمنحك حكمة ، ويغيّر اسلوبك في التفكير بصفة عامة. قال القديس غريغوريوس "من نعمة التأمل وجود صوت التمييز السماوي فى العقل ، حتى كلمات الله تدركها أذن القلب وتعيها وبنعمة فائقة تفهم أسرار الأمور العليا. .،  وتتولد في النفس رغبة قوية لتعليم الاخرين وتسليمهم ثمار التأمل" !
   أمثلة فى حياة التأمل :
+ داود النبى : هو أول من أعطى للتأمل قيمة كبري فى مزاميره ، فتأمل فى كلام الله ووصاياه..فى المزمور (119)  ويصف اتساعها وجمالها وحلاوتها وانها تنير عينيه وانها فرحه قلبه ، وهذيذه بالليل والنهار ، حتى صارت سراجاً لرجله ونوراً لسبيله ويشهد للشباب انها قوام طرقهم وللأطفال انها تفهمهم ..الخ .  كما تأمل فى مزاميره  فى الطبيعة والمخلوقات ولم يترك شاردة او واردة الا وذكرها مستحسناً صنعها قائلاً" بكل أعمالك بصنائع يديك أتأمل.." (مز143: 5) فتحدث عن السماء والارض وما تحت الارض ، والجبال والوديان والتلال والبحار والينابيع والحقول والاشجار والثمار..، وتغنى بالشمس والقمر والنجوم والكواكب ..،  وتحدث عن الحيوانات والطيور..، وتحدث عن الشعوب والامم وكل خليقة الله ، وهتف بها جميعاً واحدة فواحدة لتسبح معه وتبارك الخالق وترنم لله العلى. وهتف بها كلها لتسبح لله وتمجده.. " كل نسمة فلتسبح الرب هللويا." (مز150: 6)  
القديس أغسطينوس ( 354- 430 م)
بعد ان تغيرت حياته وتاب على يد القديس امبروسيوس ، وصار اسقفاً على هيبو بشمال افريقيا ، واعتزل الى حياة الصلاة والتأمل والكتابة . وقد أكتشف حياة التأمل واهميتها.. فأخرج اغسطينوس لنا درراً من كنوز تأملاته . حتى فى كتاب اعترافاته وجهه الى الله متأملاً. وقد مزج تأملاته فى صلاته ، فكانت صلوات قويه وتأملات رائعة ، وهذه جزء من تأملاته :
  " الهى.. ليتنى أعرفك يا من أنت تعرفنى            
   ليتنى أعرفك يا قوة نفسى                             
   أكشف لى عن ذاتك يا مُعزى نفسى .!
أسرع يا بهجة نفسى ، لأتأمل فيك يا سرور قلبى 
الهمنى حبك ، فأنت هو حياتى .!
أشرق علىّ ففيك يكمن فرحى الحقيقى                 
 فيك راحتى ، فيك حياتى ، فيك كمال مجدى  ليتنى أجدك يا شهوة قلبى ليتنى اقتنيك يا حبيبى.!  إلهي ..
أنت تحتضن وجودي برعايتك                
 تسهر علىّ وكأنك نسيت الخليقة كلها ..           
  تهبني عطاياك وكأني أنا وحدي موضوع حبك.!
   تدريبات لحياة التأمل:
+ اجلس فى مكان هادئ ، وركز فكرك فى أمر واحد فقط مثل صورة او آية او حدث .. ، افعل ذلك لمدة 15 دقيقة ويفضل فى الصباح الباكر او بالمساء  واذا كان وقتك ضيق يكفى 5 دقائق فى البداية .
+ فى التأمل الروحى بقراءة كلمة الله قبل الصلاة ، يحتاج الامر الى التركيز العقلى حتى يستطيع العقل التخلى عن انشغاله بالأمور الخارجية ، ليدخل فى قراءة واعية روحية ترفعه الى حالة الصلاة .
+ اختر من الموضوعات الاتية : الله ، كلمة الله ، اعمال الله ، الانتصارات السابقة ، الافكار الايجابية  موضوعاً لتأملك اثناء الصلاة . ركز اهتمامك على الجانب المحدد من الفكر الروحى .
+ استحضر فى ذهنك آيات من الكتاب المقدس فى كل مراحل التأمل ، فهذا يقوى وعيك بأن كلمة الله هى أساس كل فكر روحى هادف .   
+ التأمل فى صليب المسيح ، هو أقوى مصدر لإدراك حب الله لنا..، ففى هذا الصليب كُسرت شوكة الموت ، التى هى الخطية  وفتح لنا الفردوس.

                 يارب علمنى أن أتأمل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق